الجمعة، 17 فبراير 2017

قدرات خارقة أم ميزات أصيلة غير مكتشفة في الإنسان؟

الكاتب   on


كم مرة وأنت تقلب في جوالك اكتشفت ميزة جديدة كانت موجودة لكنك لم تقرأ عنها أو تسمع عنها، كم من مرة وأنت تستخدم الويندوز اكتشفت سرًا صغيرًا بسيطًا كان موجودًا ويجعل الأمور أسهل وأفضل، أو أن قام شخص ما بإخبارك بهذه الميزة أو بهذه الدالة التي كانت مخفية عنك، ولو لم يخبرك عنها لبقيت على حالك بدون تغيير!
حسنا أنا أعلم أن الموضوع غريب قليلًا، لكن دعونا نفكر بوضوح، كثير من الظواهر التي تحدث لبشر خارقين حولنا ما زالت بحاجة إلى تفسير، هذه الظواهر قد لا تكون إلا مجرد مزايا في نظام التشغيل لدينا لم نكتشفها بعد.
مثلا سمعنا ورأينا الرجل الذي يتحمل الصعق الكهربائي ولا يتأثر، ورأينا الرجل الذي يحفظ كتاب بمجرد النظر إليه، ورأينا السيدة التي لديها القدرة الخارقة على حمل الأشياء الثقيلة، والمئات غيرهم حول العالم، هذه ظواهر ما زالت بحاجة إلى تفسير، وغيرها من الظواهر حول جسم الإنسان ما زالت غامضة، كمشكلة الذاكرة، وكيفية التذكر، وصحراء الجينوم البشري التي ما زالت لغزًا يحير العلماء لم يفَك إلا نسبة قليلة منه، وعبقرية (نيوتن)، أو ألمعية (تسلا)، رغم أن تشريحهم الفسيولوجي لعقولهم كان طبيعيًا مثل أي إنسان آخر.
أعترف أن فيلم 2016 Arrival كان الحافز الأساسي لي لكي أكتب هذا المقال، الفيلم ببساطة يتكلم عن 12 سفينة فضائية أتت فجأة إلى كوكب الأرض.

وأرسلت الحكومات مجموعة من العلماء ليتواصلوا معهم، وتخللت عملية التواصل صعوبات كبيرة، فلقد كان كلا من الجهتين (البشر والفضائيون) يتكلمون بطريقة مختلفة، إلى أن توصلوا إلى الكتابة كنمط للحديث سويًا، كانت كتابة الفضائيين غريبة، حيث كانت الجملة لديهم دائرية كما بالصورة في الأعلى وليست مسطحة، اتضح لاحقًا أن الفضائيين، لا يبدؤون الجملة وينهونها مثلنا، بل يكتبون الجملة من عدة مواضع في آن واحد، فبالتالي يمكنهم كتابة جملة طويلة في ثانية أو اثنتين، والكتابة من عدة نواحي في آن واحد، وهذا يجعلهم لا يملكون بداية أو نهاية، ويفهمون سياق المكتوب بدقة متناهية ويحددون المسافات وحجم الكلمات كله في خطوة واحدة، وهذا كان مغزى الفيلم.

تتسارع الأحداث، إلى أن تصل العالمة لويز – عالمة لغات – في النهاية إلى الحديث المباشر مع الفضائيين (يسمون في الفيلم “سباعيو الأقدام” لأن لهم 7 أقدام) فيقول لها الفضائيون أتينا هنا لنساعد البشر، لكي تقوموا لاحقا بعد 3 آلاف عام بمساعدتنا، فتقول لهم لويز، كيف يمكنكم التنبؤ بالمستقبل، فيخبرونها أن مفهوم الزمن لديهم يختلف عنا، فهم لا يوجد لديهم بداية أو نهاية للزمن، كما يكتبون بالضبط، هم كل الأحداث لهم تكون مرة واحدة ويمكنهم استيعاب الماضي والحاضر والمستقبل في دائرة واحدة، وهذه الميزة قد أتوا للأرض لكي ينقلوها لنا.
بدورها تقوم العالمة لويز، باستيعاب هذه الفكرة بناء على فهم كتابات سباعيو الأقدام، فتستطيع مشاهدة الحياة وأحداث ماضيها ومستقبلها في شيء يشبه الشريط الدائري، حيث لا بداية أو نهاية لما يحدث معها، بل كله في دائرة، وتؤلف كتبًا وتحاول منح هذه الميزة للبشر.

الفكرة كانت أن القدرة هذه موجودة لدى البشر مسبقًا، لكن لم يتعلموا كيف يستخدموها، هي موجودة في جيناتهم، في عقلهم، في الكود البشري – الجينوم – لكن لم يسبق لإنسان أن تعلم كيف يستخدم هذه الميزة، فسباعيو الأقدام علمونا كيف نستخدم هذه الميزة.
حسنا أنا متفهم أن الكلام طال عن الفيلم ولكن يهمني أن تصل هذه النقطة.
السؤال الجوهري هنا، ماذا لو كان الإنسان يملك قدرات عديدة ما زلنا لم نتعلم كيف نستخدمها، سيكون هنالك أسئلة أخرى ولكن لكي أوضح أكثر، الإنسان فينا يتعلم مهارات عديدة أثناء حياته، ويرى أناس بمهارات أخرى مدهشة، نموها خلال حياتهم، على سبيل المثال الطفل لا يستطيع مسك الأشياء لكن بمرور الوقت ينمي هذه المهارة، التلميذ في المدرسة يتعلم مهارات القراءة والكتابة، وهي مهارات لم يولد يعلمها، لكنه يتعلمها من إنسان أكبر منه لديه هذه المهارات فينقلها له، فيصبح بدوره يستطيع الكتابة والقراءة، لو تأملنا بعمق في موضوع الكتابة، لوجدنا إنها مهارة غريبة، رسومات أفهمها أنا وتفهمها أنت بنفس المعنى، تغيير شيء بسيط فيها يغير معنى الفهم… إلخ، لكن هذه المهارة لو عرضناها على إنسان في الغابة فأنى له أن يفهمها ويعبر عنها ويتواصل بها مع غيره.
العالم مليء بالمهارات الغريبة التي ننميها بناء على تعليم غيرنا لنا أو بناءً على تطويرنا إياها بدرجات متفاوتة، مهارة مشهورة مثل مهارة ضرب الأرقام الكبيرة، حيث نرى أشخاص – خارقون – كما نسميهم يقومون بضرب أرقام ضخمة من عدة خانات طويلة في ثواني معدودة ويخرجون الرقم النهائي بدقة تامة، هذا ما دفع صحفي إلى متابعة هذه المسابقات، ثم بحث عن الكيفية التي تتم فيها هذه العمليات، فتعلمها وشارك في المسابقات وفاز بالمركز الأول، المغزى هنا أن المهارة قد وصلته من غيره، فتمكن من عمل شيء جديد لم يكن يستطيع القيام به مسبقًا، كان يعد لديه سابقًا من الخوارق! وهو ما يشجع على فكرة أن الإنسان يستطيع تعلم أي شيء مهما كان يبدو صعبًا.
مثال آخر مكعب روبيك والذي نعتقد أن حله مستحيل، لكن هنالك طريقة بسيطة لحله، يمكن حفظها وحل أصعب مكعب خلال دقائق، حتى وعيناك مغمضتان! المقصد مرة أخرى هذه مهارة تعلمناها من غيرنا فاستخدمناها.
هذا يقودنا إلى سؤال جوهري، ماذا لو كانت هنالك قدرات عديدة في جسم الإنسان ما زلنا نجهلها أو لم نعلمها لنتعلمها، مثلًا مهارة التخاطر، وقد رأينا أناسًا خارقون لديهم الحاسة السادسة، أو مهارة الحفظ السريع، أو التنقل السريع، أو حتى التحكم بالأشياء، أو لربما إسالة الحديد كما فعل سيدنا داوود، أو المشي على الماء أو الحديث مع الحيوانات، أو التحكم في عمليات الأيض، والكثير من المهارات التي لم نتعلم كيف نستخدمها، وما زالت فينا مجهولة بحاجة لمن يستكشفها ويكشفها لنا، لربما كشفها الله سابقًا لبعض خلقه، أو توصل بعض خلقه بالصدفة إلى هذه القدرة، لكنها كانت يومًا ما على الأرض.
هنالك علم يبحث في الظواهر الغريبة هذه، اسمه علم الباراسيكولوجي أو علم ما وراء الوعي، يقوم بتدوين القدرات الغريبة للبشر في محاولة تفسيرها، حقيقة لم أتعمق في القراءة حول هذا العلم، لأني أعتقد أن البحث فيه يتم بطرق ليست علمية كافية إلى هذه اللحظة، لكنه يبقى علمًا يلاحظ ويدون ويناقش ويبحث في الأشياء.

هذا أيضا يقودنا إلى أسئلة أكثر عمقًا، ولربما تكون مرعبة، ماذا لو أننا نستخدم قدراتنا الحالية بشكل غير صحيح، ماذا لو أننا تعلمنا أن نستخدمها من غيرنا بشكل غير صحيح وتعودنا عليها بهذا الشكل، مثال بسيط مشهور، وجد المستكشفين فتى في الغابة يعيش مع الحيوانات، ويمشي على أربع ويتسلق الأشجار ويمارس حياته أقرب للحيوانات، ما لاحظه العلماء من دراسته، أن هذا الفتى يجري بسرعة كبيرة جدًا باستخدام أطرافه الأربعة، ناهيك عن الإمكانيات الأخرى!
لنركز هنا على موضوع الجري بسرعة، ماذا لو أننا تعلمنا أن نجري على أرجلنا فقط بهذه السرعة، وكان يجب علينا أن نجري على أرجلنا وأيدينا بنفس الوقت لكي نجري بشكل أسرع؟ ماذا لو أن البشرية علمت نفسها مهارة الجري على الأرجل، ونسيت مهارة الجري على أربع، أو أهملتها على مر العصور، وبقينا على هذه الحالة إلى الآن؟ هذا يعني أن مهارة هامة – مهارة الجري الفائق – قد فقدناها لأننا لم نتعلمها، ولا يعلمها البشر عامة، وهي كانت بمثابة مهارة مهمة متوفرة في قدرات البشر، لكننا أسقطناها.
قس على ذلك عشرات ولربما مئات المهارات التي نملكها في جيناتنا، لكننا لم نستخدم هذه المهارات لأننا لم نتعلمها، دعونا نتعمق أكثر ولنتكلم عن مهارات كيفية التفكير، مثل الوعي والانقياد، النقد والفهم، الاستيعاب وطريقة التفكير، الإبداع والابتكار، كلها مهارات يمكن أن نحصرها في دوائر ضيقة أو أن نطلقها بشكل واسع لنتخطى حدود الخيال، فقط نحن لم نتعلم كيف نتحكم بها، هذا العقل البشري لا حدود له.
استطاع اينشتاين بطريقة ما غير واضحة أن يستخدم مهارة التفكير ليصل إلى حدود جديدة، واستخدم بيتهوفن مهارة الابتكار في إنتاج موسيقى جديدة من لا شيء حتى بعد إصابته بالصمم، واستخدم غيرهم حول العالم القدرات المسخرة لديهم في الوصول إلى نواحي جديدة جعلت العقل البشري فعلًا يصل إلى قدراته الحقيقة، ويتخطى الحدود الطبيعية المعروفة، السؤال كيف وصلوا لهذه المرحلة؟ هل هو تحفيز كيميائي؟ أم نفسي؟ أم تنمية مهارات لا أكثر؟ أم تعليم كيفية استخدام هذه القدرات؟ هذا سؤال نحن بحاجة إلى إجابته.
ماذا عن العقل العربي! القدرة على التعايش السلمي، مهارة احترام الآخرين، تنمية مهارة تقبل الآراء وعدم الاختلاف، تعليمه مهارة أن يكون جزء من كل وليس كل في كل، تعزيز قدرته على حب الجميع، قدرته على خوض نقاش وليس جدال، الانفتاح على الأفكار وليس الانغلاق عنها، هذه القدرات موجودة، في دول أخرى تم تنميتها، ولكن لدينا تم إهمالها ولم يتم تنميتها، أو قل لم نسمع بها من قبل.
نعود للفيلم مرة أخرى، هل نحن قادرين على الوصول إلى هذه القدرات بأنفسنا، باستكشاف العقل والغوص في الجينات البشرية؟ أم نحن بحاجة لمعجزة، لمخلوقات فضائية لكي تعلمنا مهارة استخدام هذه القدرات؟! هذا هو السؤال الجوهري، والذي آمل أن تكون إجابته إننا سنصل إلى القدرات الحقيقية للعقل البشري باستكشافه وليس بوجود مخلوقات فضائية.

ليست هناك تعليقات:
الي التعليقات

المساهمون

منوعات نوافذ علمية معلوماتية تقنية اجتماعية ثقافية -
انضم الي قائمتنا البريدية